العاريّة في الإعراب
- أ. محمد غريبو

- 23 يونيو
- 3 دقيقة قراءة

علينا أن نعلم أولا أن علامة العاريَّة لا تظهر دوما في الإعراب، بمعنى أننا لا نستعمل هذا المصطلح دوما، ولكن في بعض الحالات لا بد من الإشارة إليها.
ولكي نعرف المقصود بالعاريّة قبل الحديث عن تعريفها لنأخذ المثال التالي: أفاطمُ: منادى مفرد علم مرخم مبني على الضم الظاهر على آخره، على لغة من لا ينتظر.
هذا كان إعراب الكلمة في باب النداء أو الترخيم، وقد نقلت الحركة من آخر الكلمة المحذوف إلى ما قبل الآخر، وصار ما قبل آخر الكلمة في هذه الحالة هو آخرها؛ لأن المتكلم لا ينتظر أو لا يتوقع عودة آخر الكلمة المحذوف. فلنسأل الآن أنفسنا: أليس آخر الكلمة هو موضوع الإعراب علم النحو؟ وهو المكان الطبيعي الذي تظهر عليه علامات الإعراب؟ بلى. إذن بقية حروف الكلمة ليست موضوعا لعلم النحو. إن ظهور علامة البناء في (أفاطمُ) على لغة من لا ينتظر على ما قبل الحرف الأخير هو من باب الاستعارة أو الاقتراض، وكأن ما قبل الآخر استعار أو اقترض وظيفة آخر الحرف في الكلمة فلعب دورها. وهذا هو مفهوم العاريّة، أي: أن يعير آخر الكلمة – كما هو في المثال- دوره لما قبله، أو أن يستعير ما قبل الكلمة دور آخر الكلمة فتلعب دورها من باب الإعارة؛ فسمي لذلك بالعاريّة بتشديد الياء.
وكما نرى فإننا في هذا الإعراب لم نلتفت إلى مصطلح (العاريّة)، ولم نستعمله، ولكن العملية التي جرت من حيث المفهوم من باب العاريّة.
تأملوا معي قول الله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾، لا يجوز هنا من حيث المعنى أن نعد (إلا) حرف استثناء، وكأنك تقول: لو كان في السماوات والأرض آلهة ليس الله منهم لفسدت الأرض، وهذا يعني أنك بالمقابل تقصد: لو كان فيها آلهة الله من بينها لم تفسد! بالإضافة إلى إقرار مفهوم التعدد. وهذا معنى فاسد لا يستقيم. (إلا) هنا اسم بمعنى (غير) وهي التي تعرف باسم (إلا الوصفية)، وسنعربها هنا اسما بمعنى غير مبني على السكون في محل رفع صفة لآلهة. الآن كلمة غير من الكلمات الملازمة للإضافة، وبناء على هذا كان يجب أن تظهر على لفظ الجلالة الكسرة لتكون مضافا إليه، لكن ذلك لم يحصل، وحصل التالي:
لما كانت (إلا) هنا اسما بمعنى (غير) كان من حقها أن تظهر الضمة عليها، ولكن لما كان شكلها شكل الحرف، ظهرت هذه الضمة التي كان من حقها الظهور على (إلا) على الكلمة التي بعدها من باب العاريّة، وكأن الكلمة الأولى أعارت ما بعدها حركتها بسبب شكلها الرافض لظهور الحركة. وأما الكلمة الثانية -وهي هنا لفظ الجلالة- فهي مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة منع ظهورها حركة العاريَّة.
وفي الإعراب يمكننا أن نقول:
إلا: اسم بمعنى غير صفة مرفوعة، ظهر إعرابها على ما بعدها عن طريق العاريّة، وهو مضاف.
الله: لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة منع ظهورها حركة العاريَّة التي يقتضيها ما قبلها.
والرأي الأسهل أن تعد (إلا) الوصفية وما بعدها كلمة واحدة في محل رفع صفة.
وكما نرى هنا فقد اضطررنا أن نذكر في الإعراب مصطلح العاريَّة بعكس الحالة الأولى.
ومن أمثلة العاريّة قولك: ضربه بلا رحمةٍ، أي: بغير رحمةٍ. فتقول في إعرابها: الباء: حرف جر، لا: اسم بمعنى غير مجرور، وظهر أثر إعرابه على ما بعدها عن طريق العاريّة، وهو مضاف، رحمة: مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة منع ظهورها حركة العارية، فالكسرة هنا بسبب الباء حرف الجر، وليس لكون الكلمة قد وقعت مضافا إليه.
وقد ذكرت في باب حروف الجر أننا نقدر هنا أن نعد (لا) حرفا زائدا، وما بعدها اسما مجرورا.
ويدخل في باب العاريّة من حيث المفهوم والمعنى دون ظهوره في الإعراب نائب الفاعل، فهو في الأصل مفعول به منصوب، فلما لعب دور الفاعل، وأخذ حركته، نقلت الحركة إليه عن طريق العاريّة، ولكن هذه الاستعارة من حيث المفهوم لا الإعراب.
ومثله النائب عن المفعول المطلق، فعندما نقول: ينوب عن المفعول المطلق صفته: وقفت طويلا، والأصل: وقفت وقوفا طويلا، فلما حذف المفعول المطلق أعيرت حركته إلى ما بعدها لينوب عنه، وهذا عن طريق العارية غير الظاهرة في الإعراب، وإنما في المفهوم.
والخلاصة: إذا مر معك في كتب النحو مصطلح العاريّة عليك أن تكون فاهما لدلالته.
من كتاب النحو التطبيقي وإتقان الإعراب، محمد غريبو





تعليقات